A V E R R O E S
السياسات العامة

إشكالية تمويل الشركات الناشئة في الجزائر: كيف نتجنب نقائص التجارب السابقة؟

آمال خالي - الجزائر - 12/27/2021 01:56

يقوم الاقتصاد الجزائري منذ الاستقلال على العوائد الريعية من محروقات وغاز طبيعي أساسا، وقد أدت طبيعة الاقتصاد هذه الى أزمات متتالية اقتصادية واجتماعية نتيجة الهشاشة وسهولة الاختراق الناتجة عن قلة تنويع الصادرات. 

ومثل سائر الدول النامية المحضية بتوفر الثروات الطبيعية باشرت الجزائر محاولات تنويع اقتصادها عبر تبني خيار الصناعات المصنعة سنوات السبعينيات وهو الخيار الذي أضر بطبيعة الاقتصاد الذي كانت فلاحية بامتياز في الفترة الاستعمارية والمرحلة الأولى من الاستقلال. 

أما مرحلة الثمانينيات والتسعينيات فقد ثبت أن التنويع الاقتصادي لم يعد خيارا وإنما ضرورة فرضت على الجزائر حين اضطرت للاستدانة واستجابت لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين. وهكذا تراوح الاقتصاد الجزائري بين بحبوحة وضائقة مالية محاولا في كل مرة كسر الاعتماد الكلي على عوائد المحروقات دون نتائج تذكر، وها هي الأزمة المالية والاقتصادية تعود للواجهة جراء انخفاض عوائد المحروقات نتيجة التوقف شبه الكلي للاقتصاد العامي متأثرا بوباء كوفيد 19.

نشهد اليوم بصفة أوسع تحول الاقتصاد العالمي الى التكنولوجيا والرقمية وتحول الدول الى الاهتمام بالشركات الناشئة التي أثبتت قدرتها على تغيير ملامح الاقتصاد الدولي، فصار لزاما أن يقترن هدف تنويع الاقتصادات الوطنية بصعود الشركات الناشئة وتشجيعها، وهذا ما تسعى اليه الجزائر، اذ تتوالى الخطب الرسمية المؤكدة على المراهنة على هذا الفاعل الاقتصادي وتترافق معها إجراءات المرافقة القانونية والتقنية والمالية.

إن المتتبع للحالة الجزائرية مدرك لكون هذه المبادرة ليست الأولى من نوعها، بل سبقتها مبادرات منها تجربة دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تزامنت مع الارتفاع الهائل لمداخيل المحروقات سنوات الألفينيات، وأقل ما يقال لتقييم هذه المبادرة هو كونها لم تحقق النتائج المرجوة منها، اذ أفضت غالبية المشاريع لإفلاس أصحابها وعجزهم عن سداد أقساط الديون وبيع العتاد واستخدام أموال القروض في غير ما خصصت له... وتحاول الدولة بسياسات مشابهة تدارك هذه التجربة من خلال انشاء الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية والذهاب لتشجيع المبادرة الفردية إضافة لتبني الشركات الناشئة، لكن في ظروف مالية مختلفة.

ان الوقوف على نتائج دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة يجعلنا نقف على نقص فعالية المقاربة الوطنية لتنشيط الاستثمار، فهذه النتائج مردها لغياب المنطق الاقتصادي وتخلف البيئة الاقتصادية وفسادها لاسيما من حيث العنصر البشري. ان الدور الذي يراد للشركات الناشئة لعبه لتحقيق النتائج الاقتصادية المرجوة لا يمكن أن يتم في نفس البيئة، كما أن تمويل الدولة ومساعداتها للمستثمرين أمر جيد لكنه غير كاف والمبالغة فيه مضرة، لذا يجب دفع الشركات للبحث عن التمويل الخاص ومساعدتها بتدارك نقائص المحيط العام «écosystème ».




تنزيل المستند